للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لسماعها البشر يجمعون المصفقين والهاتفين. وكانوا يدعون المشايخ والقُضاة ووجوه الناس لمواقف الاستقبال والوداع حتى يأخذوا صورهم فينشروها في الجرائد.

أمّا أنا فما استجبت لها، وهربت منها وتمارضت حتى نجوت. وقد عرفتم في هذه الذكريات أني لم أخرج لمّا كنت قاضياً في القلمون في النبك لاستقبال الشيخ تاج، وهو خال زوجتي وشقيق أمها وهو ابن شيخ الشام الشيخ بدر الدين الحسني، ولا لاستقبال شكري القوتلي، وهو زعيمنا أيام النضال وهو قائدنا في العمل للاستقلال. أفأخرج لاستقبال عبد الناصر؟

لقد كنت أستمع إلى خطبه التي يلقيها في مصر وتُذيعها الإذاعات، فأسمع وعوداً حلوة تسرّ وتُرضي ثم تذهب وتمضي بلا وفاء، وأسمع ما فيه تحريف للواقع وتبديل لما نراه ونشاهده. ولكني أشهد -مع ذلك- أنه خطيب. خطيب على عامّية أسلوبه وعلى ركاكة لفظه، خطيب من أعظم الخطباء. وهل الخطيب إلاّ الذي يلعب بألباب السامعين، فيوجّهها حيث يريد ويجعلها تقتنع بما يقول؟ وكذلك كان عبد الناصر. ولكنها كانت تفلت منه كلمات أو يتعمّد تمريرها عرَضاً من غير أن ينتبه الناس إليها ليناقشوها، من ذلك اصطلاح «التحويل الاشتراكي» الذي كان يردّده دائماً ويُعيده فلا يملّ إعادته وترديده.

ولم أكُن أستطيع أن أصل يومئذ إلى إذاعة أذيع منها صوتي ولا جريدة أنشر فيها رأيي، كل ما في طوقي أن أقول لمن حولي: أتدرون ما التحويل الاشتراكي الذي يريده؟ إن عمرو بن العاص

<<  <  ج: ص:  >  >>