للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمهنتين: مهنة التعليم ومهنة القضاء، وكلا المهنتين بعيد عن أساليب السياسة وعن طرائق الدبلوماسيين، فطلبي أن تسمح لي أن أتكلم على سجيّتي وأن أقول ما في نفسي، ولك عليّ عهد الله الذي هو المطّلع على قلبي على ألاّ أقول لك إلاّ الحقّ.

قال: تفضّل. وتكلّمت، وقلت له أكثر ممّا قلت في الخطبة على المنبر، بيّنت له ما يصنع موظفو وزارة المعارف بالطلاّب والطالبات، وشرحت له ما نراه من الانحرافات، ونصحت له كما أمر الرسول ‘ طلبةَ العلم أن ينصحوا للحاكمين كما ينصحون لعامة المسلمين ... وهو ساكت لا يتكلّم ولا يبدو على وجهه رضا ولا سخط ولا استزادة من كلامي ولا ملل منه. حتى انقضت ثلاثة أرباع الساعة، وأنا أتكلّم وأنظر إلى الساعة في يدي. ولم يبقَ عندي ما أقول فسكتّ، وبقي ساكتاً، فقلت له: هل تأذن لنا بالانصراف؟ فوقف يودّعنا، وكأنه همّ بأن يمشي معنا فعزمت عليه أن يبقى في مكانه، وما كنت أدري هل كان سيمشي معنا يودّعنا حقيقة أم قد أوهمَنا بذلك؟

فلما خرجت قلت للشيخ فخري (وهو كما قلت لكم حيّ فاسألوه): هل تراه غضب من كلامي؟ قال: لا أدري. قلت هل تراه وافق عليه وسُرّ به؟ قال: لا أدري؟

ولم يقُل خلال الجلسة كلها إلاّ جملتين؛ جملة قال فيها إنه كان يستمع أيام رمضان كلها إلى أحاديثي «نور من القرآن»، وكان ينتبه إلى كل ما يجيء فيها ولكنه يسكت عنه لاعتقاده حسن نيّتي. والجملة الثانية كانت عتاباً على كلمة صدرَت مني لما خطبت في

<<  <  ج: ص:  >  >>