للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دمشق (في نظر أهلها على الأقل) أجمل مدن الدنيا. أوْ كانت أجمل بلاد الدنيا، فأفسدنا نحن -أهلَها- جمالها.

أدهشَت غوطتُها العربَ لمّا رأوها، فأنطقت شعراءهم بروائع البيان وخوالد القصائد. فأين اليوم الغوطة؟ الغوطة الغربية قطعنا أشجارها وقلعنا أورادها وأزهارها، ورمينا فوق رأسها الحجارة والأبرق (أي الإسمنت المسلّح)، فقتلناها خنقاً ودفنّاها حية، وأقمنا عليها بيوتاً طبقاتها صناديق وعلب لسردين البشر جعلناها قبوراً لها.

تبدلت دمشق حتى جوها. مَن كان يحتاج في صيف دمشق إلى مراوح فضلاً عن المكيّفات؟ متى كانت تصل الحرارة فيها إلى أربعين درجة مئوية؟ كان إخواننا من أهل المملكة السعودية وأهل العراق يصيّفون في دمشق نفسها، وما كنا نحن -أهل دمشق- نعرف الانتقال في الصيف إلى الجبال. فما الذي غيّرها؟ مَن ألهب هواءها وسدّ مسارب النسيم الناعش إليها؟ نحن، نحن الذين قطعوا أشجارها. الناس يزرعون ونحن نقلع، وهم يحوّلون الصحارى بساتين ونحن نمسخ البساتين صحراء. ما صنعنا هذا اليوم ولا قبل خمس سنين، بل هي جناية جنيناها على دمشق من عشرات مضت من السنين، حتى ضاع الجاني وقُيّدت «جناية من مجهول»!

حتى الغوطة الشرقية، الغوطة الكبرى، ما سلمت منا ولا نجت من أذى أيدينا. في طرف الغوطة منطقة تُدعى «درب الجوز» أعرفها أنا، فيها من أشجار الجوز ما لا يحيط بجذع الشجرة منها رجلان إذا مدّا أيديهما، لست أدري من هو العبقري

<<  <  ج: ص:  >  >>