للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن أبصر شيئاً غريباً صوّره، وإن مرّ بأثر قديم سأل عن تاريخه، فيكون له من سَيره متعة ويكون له منه منفعة. وأنا لا أحب في هذه الذكريات أن أمشي مشية الجندي، بل أسير مسيرة السائح.

لا أكون مغمض العينين لا يرى من الدنيا إلاّ نفسه، كالذي يدخل بهو المرايا في «فرساي»، ولا أريد أن أتحدث عن نفسي وحدها وأغفل ما حولي. ولعلّ وصف ما كان حولي أجدى على القراء من سرد قصة حياتي وحدها؛ ذلك أن ما كان في صغري أمراً عادياً صار الآن عند أكثر الناس تاريخاً.

* * *

دمشق التي عرفتها وأنا صغير ليست دمشق التي نراها الآن؛ تبدلت دُورُها وحاراتها وأزياء أهلها وكثير من أعرافهم وأوضاعهم، ودخل الحديث عنها في باب التاريخ. ولست أصف هنا دمشق، فإن لي كتاباً اسمه «دمشق» فيه صور من جمالها وعِبَر من نضالها، ونشرت في «الرسالة» في عَشر الثلاثين من هذا القرن الميلادي (أو الثلاثينيات كما تقولون) مقالات كثيرة عنها (١).

وفي الدنيا اليوم مدن كثيرة موغلة في القِدَم، حتى إن التاريخ نفسه لم يدرك ولادتها، ولكن دمشق أقدم المدن العامرة المسكونة في الدنيا. وفي الدنيا مدن كثيرة بارعة الجمال، ولكن


(١) انظر -بشكل خاص- مقالة «دمشق التي عرفتها وأنا صغير» في كتاب «دمشق، صور من جمالها وعِبَر من نضالها» ومقالة «حديث عن دمشق» في كتاب «مع الناس» (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>