لما كان صباح يوم الجمعة (١) بدأ الناس يتوافدون على الساحة، وكان فيها مركز للمقاومة الشعبية أو ما لست أدري ما اسمها، فيها شُبّان وبنات يتدرّبون معاً. نسوا أن النصر من عند الله فهم يطلبون نصر الله بمعصية الله! وكان في خروج النساء للاستسقاء خلاف بين العلماء، ولكن منهم من قال بجواز خروجهن متحجّبات الحجاب الكامل الذي لا يُظهِر منهن ما يصرف الأنظار إليهن.
وهذا السفح من أجمل متنزَّهات الدنيا، وقد زرت الشرق والغرب ومشيت من شمالي هولندا إلى شرقي جاوة، فما وجدت أجمل منه إلاّ قليلاً. وقد منّ الله عليّ فجعل لي داراً فوقه، ولكنْ حيل بيني وبينها فحُرمتُ منها، وأسأل الله أن يُزيل العقبات دونها ويسهّل لي الوصول إليها. وهنا (في هذا المكان) كان على الأظهر دير مرّان الذي وصفه ياقوت في معجم البلدان، فارجع إليه تعرف خبره.
غصّ السفح كله بالناس كباراً وصغاراً، رجالاً ونساءً،
(١) يوم الجمعة الموافق الثامن والعشرين من تشرين الأول (أكتوبر) ١٩٦٠، وقد رأيتم أن الحديث الذي سبقه كان هو حديث الإذاعة الأسبوعي يوم الجمعة الثلاثين من أيلول (سبتمبر). وبينهما كان حديث لم يُشِر إليه جدّي رحمه الله في هذه الذكريات ولم يُنشَر من قبل قط، فمَن شاء الاطّلاع عليه فهو في كتاب «نور وهداية» الذي سيصدر -بإذن الله- في تاريخ مقارب لصدور هذه الطبعة المصحَّحة من الذكريات. عنوان الحديث «يا الله»، وهو العنوان الذي اجتهدت في اختياره لأن الحديث أُذيع أصلاً بلا عنوان (مجاهد).