"إن هذا البلد -يا سيدي- بلد تاجر أهله بارعون. انظر ما حققناه في عشر سنين من المعامل والمشروعات، فجئت بقراراتك التي سميتها «الاشتراكية»، فلم يعد يأمن أحدٌ على ماله، لم يعد أحدٌ يقيم مشروعاً إلا إذا كان مجنوناً. هذا الدبس جاء بالملايين من الخارج وعرض عليك فكرة إقامة المعمل فشجّعته، وسألك الضمان فضمنت له، وجئت بنفسك فخطبت في يوم افتتاح معمله الذي أقامه بماله. فبأيّ دين يا سيدي، بأيّ دين، بأيّ قانون، بأيّ منطق تأخذ منه معمله؟! أنا والله لا أعرف هذا الرجل ولا صلة لي به ولا بغيره، ولست ممّن يرتشي ولا من الذين تفضّلت فوصفتَهم بأنهم أكَلة لحوم الفراخ"(١).
العلماء الناصحون أكَلة فراخ؟ أليس عيباً يا سيدي الرئيس أن تهجو علماء بلدك أمام الأجانب بهذا الكلام؟ وهل الذي يُنكِر عليك ويجرؤ على الوقوف في وجهك، وأنت في سلطانك، يكون ممّن يبيع ذمّته بأكْلة فراخ؟ لا والله، ولكن أكَلة الفراخ هم الذين ينافقون لك ويتزلّفون إليك من العلماء ومن غير العلماء، الذين يقومون على منابر الجوامع فيقولون: إن مجدّدي الإسلام ثلاثة: عمر بن عبد العزيز، وصلاح الدين الأيوبي، وجمال عبدالناصر! الذين كانوا يقومون على منابر المساجد يوم ذكرى مولد رسول الله عليه الصلاة والسلام فيقول أحدهم (في مسجد الروضة في شارع أبي رمانة أفخم شوارع دمشق): "نحتفل اليوم بمناسبتين عظيمتين، مولد الرسول وأسبوع الجامعات" ... أسبوع
(١) هذه الفقرة بين الأقواس من أصل الخطبة، لكنها لم تظهر في الطبعات السابقة من «الذكريات» (مجاهد).