وجدت -على ذلك- من ثبت عليها رغم الضغوط والدسّ والإيذاء. ثم ضعُفَت كما تضعف الموجة العالية التي تضرب الشاطئ ضربة يتطاير رشاشها ويرعب منظرها ثم ترتدّ عنه شيئاً فشيئاً حتى تهمد. همدَت موجة تنكز، ولكن أثرها في البناء الذي تلقّى ضربتها كان واضحاً.
واستمرّ حكام ذلك العهد سائرين على طريقهم. ومسّ الألمُ كلّ قلب ومشَت الشكوى على كلّ لسان: صاحب الدين يشكو ما يرى من انتشار المحرّمات، وإعلان المنكَرات، وترك الفرائض والطاعات. وصاحب الأخلاق يشكو من فشو الفسوق وكشف العورات واختلاط البنين والبنات. وأصحاب المال والأعمال يشكون بوار الأسواق وكثرة الضرائب وخُطّة الإفقار، والنهبَ المُعلَن والغصبَ الظاهر باسم التأميم. والمعلّمون والآباء يشكون هزال المناهج وقلّة العلم، وصرف التلاميذ عن دروسهم باللعب في النهار والرائي (التلفزيون) في الليل. والموظف والعامل يشكوان الغلاء الذي لم يعُد يُطاق. والناسُ جميعاً يشكون القحط الذي كتبه الله علينا هذه السنوات، جزاءً لنا على هتك الحرمات وإعلان المحرّمات، وعلى تلك الكلمة الخبيثة التي قالها وزير من وزراء ذلك العهد حين خطب فقال: إننا لا نحتاج بعد اليوم إلى رحمة السماء!
فشحّت السماء وغار الماء، وكان الغلاء والبلاء، وعجز ذلك الأحمق المغرور عن أن يُنزِل علينا هو المطر بدلاً من الله.
نسوا الله فنسيَهم، وجاهروا بالمعاصي فعاقبهم، ولمّا رجعوا