فاستغفروا غفر الله لمن رجع إليه منهم وأنزل المطر عليهم.
وتلفّتنا نفتّش عن المُنقِذ فلم نجده. وأين نجده؟ والشعب الذي ثار في وجه فرنسا يوم كانت فرنسا أقوى دولة برّية في العالَم في أعقاب الحرب الأولى ونكّل بفرنسا -على قوّتها يومئذ وعنفوانها- لم يعُد ينطق ولا يتحرّك؟ لقد هاج الشعب يوماً بالحكومة وضعضع بنيانها لأنها رفعَت ثمن كيل الخبز نصف قرش، فما باله الآن يرى هذا كله فلا يتحرّك ولا يهيج؟ أين الرجال؟ ألم يبقَ في الشام رجال؟
ويئس الناس وقنطوا، ولكني لم أيأس؛ كنت أعيد عليهم ما كتبته عن بردى من أكثر من ثلاثين سنة (صارت الآن، أي يوم كتابة هذه الحلقة، خمساً وخمسين سنة) حين شبّهت أهل الشام ببردى: تلقاه يمشي هادئاً مستكيناً يجرؤ عليه القط فلا يبل ماؤه بطنَ القط ويرميه الصّبية بالحصى فيستقرّ في أرضه الحصى، فما هي إلاّ أن يثور فجأة فيعلو على الضفّتين ويسيح في الأرض، ويهدم ويُغرِق ويفعل الأفاعيل. فلا يغرّكم من بردى لينه واستكانته.
وانتظرنا ثورة بردى فطال الانتظار، فداخل القنوطُ نفسي، فخطبت من شهر في مسجد الجامعة، فأبلغت وصرّحتُ ونفضت كل ما كان في صدري. والذين صلّوا يومئذ في الجامعة سمعوا هذا وعلموا أني ما واريت ولا داريت، ثم أعلنت أني ذاهب فمُغلِق عليّ بابي ومنفرد بنفسي وبكتبي. وكدت أمشي في موكب اليائسين.
هنالك حينما استحكمَت الأزمة وعمّت الغُمّة، قام هؤلاء