للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تصوّروا طبيباً في مستشفى أراد أن يلجأ إلى الاستشارة الطبّية في عملية جراحية، فلم يأتِ بناس من كبار الأطبّاء فيغلق عليه وعليهم باب الغرفة ويكلّمهم على مهل، بل جمع كلّ من في المستشفى من مرضى ومريضات وممرّضين وممرّضات وخادمين وخادمات، ثم ذهب يكلّمهم من فوق السطوح يسألهم: هل نخدّر المريض بالإبر أو بالمورفين؟ ونشقّ بطنه من الشّمال أم من اليمين؟ وهم يصيحون وينادون: يعيش الطبيب! فيكون صياحهم وهتافهم موافقة له على ما يريد.

والقائد الذي يُعِدّ خُطّة القتال، أيدرسها مع أركان حربه أمام مصوّره (أي الخريطة) أو يقرؤها على الجند كلهم وسط ضجّتهم وهياجهم؟

إن الشورى أن تأتي بأهل الحلّ والعقد وأصحاب الرأي والعلم فتعرض عليهم الأمر. وإن في الشام رجالاً أولي خبرة ورأي، وإن في مصر رجالاً أكثر منهم أولي رأي وخبرة. فما لرجال الشام لم يُسمَع لهم رأي ولا يُحَسّ لهم وجود، وما لرجال مصر، ومصر أم الرجال، لا يزالون متوارين بالأستار؟

إن مَثَلنا ومَثَل هذه الوحدة كمثل خمسة كانوا في زورق في نهر وأمامهم شلال منحدر خَطِر، وكانوا بحّارة بارعين، فرأوا جماعة من إخوانهم في مركب أكبر من زورقهم فقالوا: ما لنا نمشي متباعدين متفرّقين، والطريق واحد والخطر واحد والمقصود واحد؟ فتعالوا نتّحد جميعاً. وربطوا الزورق بالمركب وقالوا لرُبّانه: أنت رُبّاننا جميعاً، فاسلك بنا طريق السلامة وأوصلنا إلى البرّ الآمن. فقال: لكم ذلك عليّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>