أنَسُبّ أنفسنا بدلاً من أن نَسُبّ عدوّنا؟ ونهدم مجدنا بأيدينا ونقتل أنفسنا بسلاحنا؟ وأذكر الذي سَنّ هذه السنّة وعلّمنا الحملة على إخواننا، فأعدّ ذلك ذنباً له جديداً. وأمدّ يدي لأغلق الرادّ إذ لم أُطِق الإصغاء، وإذا بي أسمع الكلام ينتهي من دمشق فيموج الجوّ فجأة بهذا النشيد نفسه يخرج قوياً عاصفاً مجلجلاً. وأسمع من مصر القارئ يتلو كتاب الله فأرجع إلى الشام فأسمع القارئ يتلو كتاب الله. وأسمع من هنا تمجيد الوحدة وذِكْر العرب وذَمّ الاستعمار، وأسمع من هناك ذَمّ الاستعمار وذِكْر العرب وتمجيد الوحدة، حتى إن من المصادفات العجيبة أن الخطبة التي أُذيعت من دمشق الجمعة الماضية لا تكاد تختلف عن التي أُذيعت من القاهرة، والآيات التي استُشهد بها هنا هي الآيات التي استُشهد بها هناك.
فما الذي فرّق بيننا وبين إخوتنا في مصر ما دام يجمعنا حبّ الوحدة ونشيد «الله أكبر» وهذا القرآن؟ إذا كان القرآن يجمعنا فما الذي يفرّقنا؟
لقد فرّقَنا الذين حكمونا أيام هذه الوحدة حين لم يُقِيموا فينا حكم القرآن. وصف الله المسلمين فقال:{والذينَ استجابوا لربِّهم وأقامُوا الصّلاةَ وأمْرُهُم شورى بينَهم}، فهل كان الأمر شورى بيننا وبين الذين كانوا يحكمون فينا؟ لقد قال الله لرسوله ‘:{وشَاوِرْهُم في الأمرِ}، فامتثل وهو أفضل الخلق وأكمل البشر. فهل امتثل مَن كان يحكمنا هذا الأمر؟ وهل الشورى أن نحشد العوامّ ونُلقي عليهم كلاماً ضخماً بالمكبّرات الضخمة لا يفهمونه ولا يستمعون إليه، ولو استمعوا إليه وفهموه لما استطاع المخالف منهم الردّ عليه؟