وأنا قد مشيت في ذكرياتي هذه مع مناسبات الكلام، فتركت كثيراً ممّا كان ينبغي بيانه لأنني ابتعدت عن طريقه: بدأت الكلام على عملي في القضاء، وذكرت لما نُقِلت إلى محكمة دمشق ما أحدثت فيها من تعديلات أو أصلحت من إصلاحات (وإن كانت كلمة الإصلاح كبيرة عليّ)، فذكرت ما صنعت في الأعمال الإدارية ولم أكمل حديثي عن القضايا والمحاكمات. وبدأت الكلام عن رحلة المشرق ثم لم أكمله. وتركت حوادث كباراً منها ما يجاوز حدود السيرة الشخصية إلى التاريخ العامّ، فيمسّه مساً ويؤثّر فيه ولو من بعيد، كقصّة دخول الانتخابات سنة ١٩٤٧ (١٣٦٦هـ)، وعملي في وضع قانون الأحوال الشخصية ومشاركتي في غيره من القوانين. وأسأل الله أن يوفّقني إلى العودة إليها وإيضاح ما أغفلته منها، هذا إن كان في العودة نفع للناس ولم يضِق به صبر القُرّاء ولا صدر الجريدة التي تنشر هذا المقال الذي طال.
* * *
كنت أروي لكم في الحلقة الماضية خبر الكلمة التي ألقيتها في الرائي (التلفزيون) سنة ١٩٦١، وكانت هي أول عهدي بالتلفزيون الذي ارتبط -من بعد- حبلي بحبله وصرت من أهله. ونقلت إليكم فقرات منها ما كنت لأنقلها لولا أن لها صلة بتاريخ البلد، وأنها لم تُنشَر كاملة من قبل، إنما نُشرت فقرات منها في جريدة «الوحدة» أخذوها ممّا سمعوه مني في الرائي فسجّلوه صوتاً ثم كتبوه كتابة. وقلت لكم إن ذلك الحديث التلفزيوني إنما كان من أجل تكذيب ما زعمَته صحف عبد الناصر اللبنانية من أنني ذُبحت في داري، وذكرت كيف أن أهل بيتي أصبحوا يكلّمونني