الانقسام. وما ذاك عن ضعف فينا، بل عن قوّة في نفوسنا وأن كل واحد منّا يرى نفسه رأساً، والرأس يقود ولا ينقاد، لذلك كانت الأعمال الفردية أنجح فينا من الأعمال الجماعية، ولذلك كان في استقبالنا واحد وعشرون مندوباً عربياً عن إحدى وعشرين جمعية عربية.
وكان الكهول منهم بأزياء بلادهم، أي بالعمامة الحجازية التي تكون على القلنسوة المطرّزة المزخرَفة (والتي انقرضَت الآن أو كادت) والجبّة يلبسونها فوق ثيابهم، وهم يحافظون على هذا الزيّ في كل بلد ينزلونه.
وأخذونا إلى فندق صيني ما كدت أدخله وأنشق ريحه حتى رجعت من فوري أبادر الباب، ووقفت في الشارع تحت المطر. وأي مطر؟ إن أمطار البلاد الحارّة أعجوبة في كثرتها وانسكابها. وأنتم تعرفونها في مكّة وفيما حولها، فما ظنّك بمطر سنغافورة وهي قائمة على خطّ الاستواء؟ وكنا ننتظر وهم يتكلّمون عن الفندق المناسب لنا، فما انتهى كلامهم حتى كان الماء قد اخترق ثيابنا وجلودنا وأحسسنا به في عظمنا! ثم أخذونا إلى الفندق الكبير وهو فندق رفلس.
ولم يكن إعراضهم عنه أوّل الأمر جهلاً به، فهو معروف. ثم إن عمارة الفندق هي ملك للسيد إبراهيم السقاف، ولكن صرفونا عنه كرهاً للاسم الذي يحمله وهو اسم القائد رفلس، وكرهاً بالقوم الذين يديرونه وهم من قوم رفلس. والناس في سنغافورة يكرهون «الرفاليس» جميعاً، وحقّ لهم أن يكرهوهم فإنهم أصل