أصف ما رأيت سنة ١٩٥٤ لا الآن) والمرفأ فيها واسع وحياله مستودعات ضخمة جداً، ونصف الجزيرة الشمالي حدائق متصلة وبساتين متسلسلة.
* * *
وكنا قد أبرقنا إلى وجيه العرب في سنغافورة، وهو السيد إبراهيم السقاف، فلما نزلنا وجدنا وفداً من العرب لاستقبالنا، وكان بينهم واحد وعشرون مندوباً عربياً عن إحدى وعشرين جمعية عربية، فما استطعت أن أنتظر حتى ينقضي الاستقبال بل سألتهم: لماذا لا تكون لهم جمعية واحدة يمثّلها رجل واحد، ما دام الأصل العربي واحداً والدين الإسلامي واحداً؟!
ودعَونا إلى حفلة شاي صغيرة في مطعم المطار. ففهمنا منهم أن هذه الجزيرة كانت إلى ما قبل مئة وأربعين سنة (صارت الآن مئة وسبعين) حدائق وبساتين ومتنزَّهات وجنّات، فحلّ بها الوباء البشري الذي اسمه الإنكليز، فاشتراها قائدهم رفلس المشهور من سلطان جوهور لتكون ميناء حُراً، ونصب فيها العلم البريطاني في ٢٩/ ١/١٨١٩، وشرع يُقيم فيها المدينة التي بلغ عدد سكانها يوم زرناها مليوناً وربع المليون، منهم ثمانمئة ألف من الصينيين، وفيها جالية كبيرة من العرب الحضارمة.
والعجب أن حضرموت، هذه البقعة الصغيرة الفقيرة، قد غزت بأبنائها الشرق كله؛ فما في الملايا ولا في أندونيسيا بلد ليس فيه ناس منهم. وهم تُجّار بارعون وأمناء صادقون ومغامرون شجعان، ولكن عيبهم وعيبنا معشر العرب في كل مكان هو