للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ممّن زارها فعاد وحدّثنا عنها، فنعرف الكثير من أنبائها. وهذا الشرق شرقنا، لا نعرف عن أكثر أقطاره إلاّ الأسطر التي قرأناها في درس الجغرافيا فأودعناها أذهاننا ريثما نؤدّي الحساب يوم الامتحان عنها، ثم أغفلناها وأهملناها حتى نسيناها.

وكانت طيارتنا تسير بمقدار وتقف بمقدار، فإذا كان موعد طيرانها في الدقيقة الثالثة من الساعة الخامسة -مثلاً- لم تطِر في الدقيقة الثانية ولا الرابعة. وكان مقدَّراً لها أن تقف في سيام (تايلاند) نصف ساعة، وأنا أنظر إليها وأراها جاثمة على الأرض كأنها عمارة مستقرّة ذات أساس. فضاق صدري ونفد صبري، فكنت أسأل وأبحث فلا يُجاب لي سؤال ولا يُثمِر بحث، والركّاب (وكلهم من الإنكليز إلاّ أنا وصاحبي) لا يتحركون ولا يبالون، ولم يقُم واحدٌ منهم يسأل لِمَ وقفت. فعجبت منهم، وازداد عجبي حتى شككت في نفسي وفيهم، وحسبتُني في متحف الشمع في القاهرة لا في مطار بانكوك في سيام. ثم نادى المنادي إن الطيارة ستقوم، فتحرّكَت تماثيل الشمع ومشت على هينتها (والكلمة فصيحة) كأن لم تتأخر الطيارة ولم يُتوقّع حادث ولم يُخشَ خطر.

وطارت بنا، حتى إذا اقتربنا من سنغافورة (وأصلها «سنغا بورا»، أي ميناء الأسد) نظرت تحتي فإذا أنا أرى خريطة مجسّمة من شبه جزيرة الملايا (ماليزيا) وفي آخرها جزيرة صغيرة جداً محاذية لها هي سنغافورة. ثم لفّت الطيارة ودنَت لتهبط، فرأيت المدينة في نصف الجزيرة الجنوبي، شوارعها فساح وأبنيتها عالية، وفيها عمارتان رفيعتان كأنهما برجان (ولا تنسوا أنني

<<  <  ج: ص:  >  >>