للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدار، لقد دُفن تحت أسوار القسطنطينية في أبعد مكان عن المدينة المنوّرة، فما زال قبره ينادي المسلمين حتى كتب الله فتحها على يد محمد الفاتح، فصارت «إسلام بول»، أي مدينة الإسلام، سَمّاها بذلك السلطان الفاتح كما سَمّوا الآن إسلام أباد في باكستان، و «بول» و «أباد» كلاهما بمعنى المدينة.

* * *

وقالَ: أتبكي كلَّ قَبرٍ رأيتَهُ ... لقبرٍ ثوى بينَ اللّوى والدَّكَادِكِ؟

فقُلتُ لهُ: إنّ الشَّجَى يبعَثُ الشّجى ... فدعني، فهذا كلُّهُ قبرُ مالكِ

أفكان متمّم بن نويرة أشدّ حُباً لأخيه مالك من حُبّي لبنتي؟ وإذا كان يجد في كل قبر يمرّ به قبر مالك، أفتُنكِرون عليّ أن أجد في كل مأتم مأتمها وفي كل خبر وفاة وفاتها؟ وإذا كان كلّ شجى يُثير شجاه لأخيه، أفلا يُثير شجاي لبنتي؟ إن كل أب يحبّ أولاده، ولكن ما رأيت، لا والله ما رأيت من يحبّ بناته مثل حُبّي بناتي!

ما صدّقت إلى الآن وقد مرّ على استشهادها أربع سنوات ونصف السنة، وأنا لا أصدّق بعقلي الباطن أنها ماتت؛ إنني أغفل أحياناً فأظنّ إن رنّ جرس الهاتف أنها ستُعْلِمني -على عادتها- بأنها بخير لأطمئنّ عليها. تكلّمني مستعجلة ترصف ألفاظها رصفاً، مستعجلة دائماً كأنها تحسّ أن الردى لن يبطئ عنها وأن هذا المجرم، هذا النذل، هذا ... يا أسفي، فاللغة العربية على سعتها تضيق باللفظ الذي يُطلَق على مثله، ذلك لأنها لغة قوم لا يفقدون

<<  <  ج: ص:  >  >>