للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عجبوا مني وأُعجِبوا بي، وصرت في لحظة زعيم المدرسة (١).

وجرّبَت الإدارة الترغيب والترهيب ولجأت إلى الوعيد والتهديد، ونزل المراقب ثم المدير الثاني، ثم المدير الأول والأساتذة، فكنت أردّ على كل محاولة بخطبة جديدة، فوجدوا الأمر أصعب ممّا كانوا يقدرون ويعرفون فخبّروا الوزارة. فجاء مدير المعارف الأستاذ شفيق جبري، فألقى كلمة أدبية بليغة وردَدْتُ بكلمة أذهبت أثرها. ثم جاء الوزير نفسه، وكان أستاذنا الكبير محمد كرد علي، فصحت به من مكاني: يا معالي الوزير! فمضى قدماً ولم يلتفت إليّ. فأعدت النداء فما وقف، فأسمعته كلاماً استوقفه، ثم حول وجهه إليّ فسمع مني وأجابني.

وكنت يومئذٍ في قمة القدرة على الخطابة والارتجال، لا أحتاج إلاّ إلى ابتداء الكلام حتى تنثال عليّ المعاني وتزدحم الخواطر، وينطلق اللسان يعبّر عنها ببليغ الكلام. وكنت يومئذٍ فتيّ الذاكرة كثير المحفوظ، لم تُضعِف ذاكرتي الأيامُ، فكانت كل خطبة كأنها قطعة أدبية من الأسلوب الفحل تفيض بالآيات والشواهد والأمثال، فضعف مع الأيام جَناني وكَلّ لساني، على أن فيّ بحمد الله بقية (لا تزال) تسرّ الصديق، وتكبت العدوّ (٢).

وفُتح باب المدرسة فخرجت وخرجوا ورائي، وكان حولي


(١) من مقدمتي لكتاب «مكتب عنبر» تأليف الأستاذ ظافر القاسمي. وقد تُوفّي رحمه الله سنة ١٤٠٢، وهو أصغر مني سناً وكان في المدرسة بعدي بسنوات.
(٢) من مقدّمة «مكتب عنبر»، وبقية الكلام هناك.

<<  <  ج: ص:  >  >>