للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فئة من الشباب الأقوياء والحارس الخاصّ عبد الستار العلمي (الدكتور الذي كان هنا، رحمه الله)، وكان معي من يحمل سلّماً قصيراً، فحيثما تجمع الناس صعدت عليه فخطبت.

نفذنا إلى سوق الحميدية، فالسنجقدار، فالمرجة، فإلى قصر الحكومة. وحيثما مررنا أُغلقَت المخازن ومشى الناس وراءنا، حتى أحاطت جموعٌ لا يُحصيها العادّ بالقصر والبلدية القديمة وإدارة الشرطة. وصعدت على العمود التذكاري أمام قصر الحكومة أخطب وأنادي رئيس الحكومة، ففتح باب الشرفة الكبيرة وأطل منها علينا، وكان الرئيس الشيخ تاج الدين ابن الشيخ بدر الدين الحسني. وكانت خطبة كلماتها من نار الحميم وأسلوبها من هبّة العواصف.

سقى الله تلك الأيام! لقد أسكرني هذا الفوز فكدت أتدحرج فأنحدر في هذا الطريق لولا أن تداركني الله فأراني عاقبته. لقد اغتررت بالحلاوة في أعلى الكأس فأذاقني الله طعم المرارة في أواسطها وفي قعرها.

وعَدَ الشيخ تاج وهدّأ وشجّع، بل وشكر. فلما تفرق الجمع وصرت وحدي أمسكوا بي فلم أنتبه إلاّ وأنا في حاشرة (زنزانة) طول أرضها متر وعرضها متر، وحيد فريد ليس حولي من أخطب له ولا من يصفّق لي. لا أستطيع أن أضطجع ولا أن أمدّ رجلي، وليس من حولي إلاّ جدران مغلقة ليس لها نافذة، ولا معي فيها أحد. فقعدت أفكر.

كنت في أول النهار طالباً مغموراً يمشي في جماعة الناس لا

<<  <  ج: ص:  >  >>