للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من نصف قرن لاستغرقَت شهراً، قطعناها في أقلّ من عشرين ساعة، نرى الأرض تُطوى من تحتنا ونُبصِر البلاد كأنها في مصوَّر (خريطة) مجسّمة موضوعة على المكتب، ونحن مشدودون إلى المقاعد لا نمشي إلاّ هذه الأمتار المعدودة بين المقعد والحمّام.

أكلنا ولبثنا بعد الأكل حتى جعنا، ثم أكلنا ولبثنا حتى جعنا، ونمنا حتى شبعنا من النوم، وأفقنا حتى نعسنا فنمنا، وتكلّمنا حتى مللنا فسكتنا، وسكتنا حتى مللنا السكوت فتكلّمنا ... والطيارة ماضية بنا. حتى إذا بلغ السأم منّا قالت المضيفة: اربطوا الأحزمة، هذه جاكرتا.

فصحونا وجعلنا ننظر من نوافذ الطيارة كحالنا كلما وردنا بلداً جديداً. وأجمل ما في ركوب الطيارة منظر الأرض حين تدنو منها وتُسِفّ لتحطّ فيها، ننظر فإذا نحن نمشي على ظهور البيوت ونثب على المآذن والمداخن، كأننا نطير في المنام! ونظرنا، فرأينا البلدة بساتين واسعة فيها بيوت صغيرة ملوّنة، وجعلنا نبتدر النزول ونتسابق إليه. والمُسافر يصبر الطريق كلّه، فإذا قرب الوصول وبدا له المنزل ضاق صدره وتصرّم صبره، وهذه طبيعة الإنسان.

وأشوَقُ ما يكونُ المرءُ يوماً ... إذا دنَتِ الخيامُ منَ الخيامِ

ولمّا مسّت أقدامنا الأرض تشهّدنا وأقبلنا ننظر، فإذا في استقبالنا وجوه القوم: وكيل وزارة الخارجية جاء باسم الحكومة يستقبلنا ويدعونا ليُنزِلنا ضيوفاً عليها ما بقينا في بلدها، وسفير مصر (الذي رأيت من نُبله وفضله وتواضُعه ما لم أنسَهُ إلى الآن ولا أنساه أبداً) الأستاذ علي فهمي العمروسي، والقائم بأعمال

<<  <  ج: ص:  >  >>