المفوّضية السعودية، الرجل الفاضل الكريم الذي لم أرَه بعد تلك الرحلة الأستاذ عِزّة الكثبي، وهو أخ وفيّ وعربي نبيل. ولم يكن في جاكرتا من ممثّلي الدول العربية يومئذ غيرهما. وزعيم عرب أندونيسيا السيد علي سنكر، وآخرون إذا لم أذكر الآن أسماءهم فإني أذكر دائماً كرمهم وفضلهم.
وكان العصر قد أذّن، وكان رفيقي في الرحلة، الشيخ أمجد الزهاوي رحمة الله عليه، إذا دخل وقت الصلاة لا يشتغل إلاّ بالصلاة، سواء لديه أين كان ومع مَن كان. ولقد كان على مائدة الملك حسين في عمّان يوم دعا أعضاء المؤتمر الإسلامي (وقد اعتذرت عنها أنا فلم أحضرها)، فسمع الأذان فترك الطعام وقام. ولا يصنع ذلك تظاهراً وتفاخراً ولا يخطر له التفاخر على بال، بل يفعله لأنه يراه الشيء الطبيعي (كلمة طبيعي فصيحة) لا يفكّر لِمَ يفعله. وإن كان الأفضل غير الذي فعل.
فلما وصلنا إلى المستقبلين أقبلوا يسلّمون علينا، وهو يصافحهم مشغول الذهن حاضر كأنه غائب، يتلفّت يسألني: أفندي، أين نصلّي؟ فقلت له: إن الوقت متّسع وسنصل إلى الفندق فنصلّي. فغضب وتركني. وكان رحمه الله سريع الغضب سريع الرضا. وسأل واحداً من المستقبِلين عن القبلة فدلّه عليها، فنزع جبّته فبسطها على أرض المطار وقال:«الله أكبر». وكان يقولها -كما قلت لكم من قبل (أو لم أقُل لكم فلست أدري والله) - يجمع نفسه ثم يُطلِقها كأنها قنبلة تُلقى في وجه إبليس، تخرج من أعماق قلب مؤمن، يستصغر الدنيا كلها حين ينطق بها فلا يَكبُر عليه شيء منها لأنه يقوم بين يدي الله، والله أكبر.