إليه على درَج عريض من الرخام مفروش بالسجّاد النفيس، وفيه غرفة نوم فيها سرير عرضه ثلاثة أمتار، يكفي لينام عليه العبد الفقير الذي هو أنا وأولاده جميعاً، ويبقى فيه متسَع لثلاثة من أولاد الجيران! وإلى جنبها بهو استقبال فيه الأرائك الفخمة المذهَّبة والأثاث المُلوكيّ (١)، وله شرفة لا تقلّ في السعة ولا في الفرش عنه، تطلّ على حديقة من أجمل ما رأيت من الحدائق، تظلّلها أغصان الدَّوْح الباسق المزهر دائماً زهراً ما رأيته إلاّ في تلك المناطق الاستوائية.
وأبى الشيخ أن ينزل فيه لأن إدارته أجنبية، وأصرّ على الإباء، فأنزلوه في فندق صاحبه مسلم حضرمي. ليس فندقاً على التحقيق ولكنه دكاكين على الطريق، سَدّوا أبوابها المفضية إلى الطريق وفتحوا نوافذ وأبواباً فيما بينها، ووضعوا فيها مرحاضاً ومغسلة، وجاءها ساحر فقال لها:"يا دكاكين كوني فندقاً"، فكانت -كما زعموا- فندقاً!
والذي يقرأ هذا الكلام ويرى أني نزلت في هذا الجناح العظيم وأني كنت ضيف الحكومة يحسب أني عشت فيه في النعيم المقيم، لا يدري أني كنت منه في جحيم؛ ذلك أن من طبعي العزلة والابتعاد عن الناس وأني لا أستريح إلاّ في حضرة النفر القليل من الإخوان والأصدقاء الذين أنطلق معهم على سجيّتي وأمضي على
(١) القاعدة أن النسبة إلى الجمع لا تجوز، ولكنهم قالوا من القديم: مائدة ملوكيّة ومسألة أصوليّة ورجل أنصاريّ، ونحن نقول: حقوق دولية وقضية عمّالية.