وكان الدليل الفاضل يهرب بالسيارة من صباح كل يوم، يُركِب بها أهله وأصحابه ويُنفِق عليهم ما خصّصته الحكومة لي ولصاحبي، وأبقي وحدي، فإذا أردت أن أشكوه لم أستطع أن أُفهِمهم ماذا أريد، وجاؤوا بهذا الترجمان لينقل إليهم ما أقول، فكيف ينقل إليهم شكواي منه؟
وأذهب إلى الشيخ وبين فندقي وفندقه مسافة كيلين (أي كيلومترين)، فأجده يقرأ أو يسبّح، فأقعد عنده ساعة، ثم أمشي على غير هدى لا أكلّم أحداً ولا يكلّمني أحد، أمشي في الطرق القريبة من الفندق، ثم أوسّع الدائرة يوماً بعد يوم، حتى صرت أعرف طريقي في هذا الجانب من المدينة الكبيرة.
وكان عملنا أن نقابل المسؤولين فنشرح لهم قضية فلسطين أو نخطب في الاجتماعات التي يعقدونها من أجلها، فإذا لم يكن عندنا مقابلة ولا محاضرة بقيت وحدي أمضي الليل كله مع هواجسي وأفكاري، أرى الأسر الهولندية من حولي، وهم يقيمون في الفنادق دائماً وحولهم أولادهم، وبيني وبين أولادي ربع محيط الأرض. ولبثت على ذلك شهراً كانت تمر عليّ فيه ليالٍ أكاد أحسّ فيها بالجنون.