للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا رحمةً للغريبِ في البلدِ النّـ ... ـازحِ ماذا بنفسِهِ صنعا

فارقَ أحبابَهُ فما انتفعُوا ... بالعيشِ مِن بَعدِهِ وما انتفَعَا

* * *

لما قلت لكم من حلقتين إنني لا أعرف من يحبّ بناته كما أحبّ بناتي حسب قوم أني أبالغ وأدّعي. فهل تصدّقون إن قلت لكم أنني كنت في أندونيسيا أفكّر في بناتي، أخاف أن ينزلق اللحاف من فوق إحداهن فتتكشّف فتتعرّض للبرد؟ ولمّا كنت في دمشق كنت أفيق من نومي، أحسّ أن إحدى البنات قد أزيحَ عنها الغطاء في ليالي الشتاء، فأذهب إليها لأغطيها.

ومضى عليّ عيد لم أجد فيه من يقول لي «السلام عليكم» إلاّ السفير العمروسي والسيد الكتبي جزاهما الله خيراً. ولطالما أمضيت أياماً وأنا بلا طعام، أشتري كعكاً آكله مع الشاي لأن الأجراس في الفندق معطّلة، أو أنهم ألغوها واستعاضوا عنها بالهاتف، فمن أراد شيئاً اتصل بالإدارة فكلّمها. فكيف ترونني أكلّمهم وأنا لا أعرف لسانهم ولا يعرفون لساني، وليسوا أمامي لأخاطبهم بلغة الإشارات كما تفعل القرود في الغابات؟ وإذا نزلت إلى المطعم (وهو سلسلة أبهاء يضلّ الداخل إليها من كثرتها وسعتها) آخذ قائمة الطعام فلا أميز فيها حلواً من حامض ولا حاراً من بارد، فأضع إصبعي كيفما جاءت وأشير إليه أن يأتيني بما تحتها ثم أرى حظي (١)، فربما جاء طعام يؤكَل (وهذا أندر


(١) كذلك كان يصنع فخري البارودي غفر الله له لما ذهب إلى باريس، وكان من أوائل من ذهب إليها من السوريين. فرأى على مائدة =

<<  <  ج: ص:  >  >>