كان في مدينة جوكجا الجامعة الحكومية، وكانت تشتمل يوم زرناها على ستّ كلّيات: للطبّ، والحقوق، والإدارة، والعلوم، والهندسة، والزراعة. لا يقلّ طلاب كل واحدة منها عن ألف وخمسمئة، وفيها ما يبلغ ثلاثة آلاف. وفي جوكجا الجامعة الأهلية الإسلامية وتشتمل على ثلاث كلّيات: الحقوق، والاقتصاد، والتربية. وهي تُعنى بالعلوم الشرعية والسلوك الديني، والتعليم فيها مقتبَس عن الأسلوب الهولندي، وهو أسلوب حُرّ رأيته أشبه بأسلوب الأزهر القديم قبل أن تكون فيه صفوف وامتحانات. ولم أحضر الدروس فيها لأني جئتها في عطلة. والمدارس في أندونيسيا تعطل ثلاثة أيام في كل شهر، أما العطلة السنوية فمن آخر شعبان إلى ما بعد عيد الفطر، ولا يدور رمضان في الفصول كما يدور عندنا لأنه ليس في أندونيسيا شتاء ولا صيف، ولا يتعاقب فيها البرد ولا الحر، والسنة كلها فصل واحد لأنها بلاد استوائية.
وجوكجا -فوق ذلك- دارة الجهاد ومثابة الأبطال. ولقد عملَت للاستقلال كل جزيرة من الجزر الأندونيسية (التي يبلغ المسكونُ منها ثلاثةَ آلاف جزيرة) وكل بلدة فيها وكل قرية، ولكن ليس فيها كلها ما عمل عمل جوكجا؛ لقد كان فيها قيادة الجهاد وكانت عاصمة البلاد، ولقد خرج مشايخها فيمن خرج، أطبقوا كتبهم وأغلقوا مدارسهم وحملوا السلاح، فخاضوا المعارك وأتوا بالعجائب.
لقد كنت في جاكرتا أشكو الوحدة والخمول، تمرّ عليّ الأيام لا أكلّم فيها أحداً لأني لا أجد من أفهمه ويفهمني؛ كنت