للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخاطب الناس بالإشارة كأني أخرس، أو كأنما أنا إنسان الغابات الذي عاش قبل اختراع الألسُن واللغات (١)، ولطالما بقيتُ ليالي بلا عشاء لأني لا أحبّ ما يُقدَّم في الفندق ولا أستطيع أن أُفهِمهم ماذا أحبّ. ولطالما مرّت عليّ ساعات خشيتُ فيها -من الوحدة أو الضيق- على عقلي! فلما خرجنا في هذه الرحلة إلى داخل البلاد وضعوا لنا برنامجاً لم يتركوا لنا فيه لحظة انفراد أو دقيقة راحة، فانتقلنا من برد الصقيع إلى لهب النار! كنا نتمنى أن نلقى من نكلمه أو أن نجد ما نعمله، فصرنا نتمنى أن يكفّوا عنّا أو أن يدَعونا لأنفسنا ساعة من زمان. ولو أني وصفت لكم كل ما رأيت لزاغت من السرعة أبصاركم كما زاغ بصري ولم تَعُوا من حديثي شيئاً، فدعوني أقصر الحديث على ثلاثة مشاهد في جوكجا: المدينة القديمة، وزيارة الملك، ودار المعلّمين.

جوكجا مدينة رحبة الجوانب واسعة الشوارع حديثة العمران، فيها عجائب الصناعات اليدوية، لا سيما الأدوات الفضّية التي لا يُتقِن أحدٌ نقشها والافتنان (٢) بها إتقان الجاويين إياها. ومن صناعاتهم نسج الأُزُر (الفُوَط) المنقوشة المزخرَفة، وهي اللباس الرسمي للرجال والنساء وطلبة المدارس وموظفي الدولة، وهي عادة قديمة وصفها ابن بطوطة ولا تزال باقية إلى اليوم.

أما البلدة القديمة فهي مربعة، عليها سور قائم طول كل ضلع من أضلاعه نحو ألف متر، يكاد قصر الملك يحتلّ ربعها.


(١) وإن كانت اللغات في الأصل من الأسماء التي علمها الله تعالى آدم.
(٢) مصدر افتنّ يَفتَنّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>