وما هو بالبناء المشمَخِرّ العالي ولكنه دور صغيرة أنيقة، وله باب كبير، وأمامه ساحة واسعة فيها صفوف من عمالقة الأشجار تكاد تظلّلها على سعتها، وعلى جانبَي الباب بيتان من الحجر قالوا إنهما كانا مسكنَي الفيلَين الملكيّين، الفيل الأبيض وهو مركب الحفلات والمواكب، والفيل الأسمر وهو المركب العادي. وكان الفيل يومئذ كالسيارة في أيامنا. والباب يُفضي إلى حدائق فيها من عجائب الشجر ما لا يوصف، ومنازلها في غاية الأناقة ودقة النقش. دخلناها حتى انتهينا إلى قاعة العرش، وهي مشيدة على أسلوب من العمارة فريد، لها جدران سامقة وسقف عالٍ مُغطّى بالنقوش والصور، وفي وسطها سدّة مكشوفة الجوانب الأربعة لها أدراج من كل جانب من الرخام الذي يزري بالمرايا، وأعمدة دقيقة من خشب الساج المنقوش بالنقوش الدقيقة الملوّنة، وفوقه مئات (مئات حقاً) من القباب الصغيرة القائمة على أعمدة دِقاق تؤلّف سقفاً مثل الهرم الرباعي، يبدو للناظر كأنه تاج ملكيّ.
هذه هي سدّة الملك التي طالما رأت في سالف الدهر من أبّهة السلطان وزهو النصر ومظاهر الجلال ما رأت، فانتهت ... أتدرون إلامَ انتهت؟ إلى ما هو أجلّ وأعظم من هذا كله؛ لقد أفاض عليها الملك الحالي مجداً وجلالاً لم تُفِضْ عليها مثلَه هاتيك الفتوح كلها وهاتيك الانتصارات، ذلك أنه قدّمها هي والقصر هبة منه للعلم، فصار قصر الملك كلّية الطبّ، وصار عرش الحُكم منبر العلم، وصارت مجالس الوزراء مقاعد الطلاّب، فازدادت بذلك فخراً وشرفاً.