لأنه لم يعرّفنا بنفسه ... وإذا هو السلطان بلحمه ودمه!
وقد وقع لنا مثل هذا بالضبط لمّا زرنا سلطان بهاولبور في باكستان. وما ذنبنا نحن إذا كنا نرى صورة السلطان على الجدار وهو مُثقَل بالتاج المرصّع وعقود اللؤلؤ التي تملأ العنق والأوسمة التي تستر الصدر، ثم نرى أمامنا شاباً أسمر صغيراً لا يختلف في مظهره عن واحد منّا نحن عباد الله الصعاليك؟ وثقوا أني لم أدرِ من الخجل كيف أودّع هذا الملك العظيم حقاً، العظيم بإصلاحه ودينه وحبه للعلم. أما قلت لكم إنه أهدى قصره كله وفيه سدة ملكه هدية للعلم، لتكون فيه كلّية الطب؟ العظيم بأصله وتواضعه، هذا التواضع الذي دفعه أن يمشي معنا مودّعاً إلى الباب.
أما المشهد الثالث فهو دار المعلّمين التابعة للجمعية المحمدية. هل قلت إنها مدرسة؟ إذن أعتذر، فما هي مدرسة بل هي حي كامل، وليست تابعة لوزارة المعارف بل هي مؤسسة خاصة، أنشأتها «الجمعية المحمدية» لتُخرج معلّمين لمدارسها.
الجمعية المحمدية أسسها الحاج أحمد دحلان سنة ١٩١٢، وكانت يوم زرنا أندونيسيا أكبر جمعية تعليمية في الشرق كله، بل ربما كانت أكبر جمعية في العالَم للتعليم؛ كان أعضاؤها نحو مئتي ألف، وكان لها ألف وخمسمئة مدرسة وسبعمئة مستشفى وثلاثمئة دار للأيتام، ولها دار لتخريج المعلمين لمدارسها دهشت من سعتها وكثرة طلابها وضخامة بنائها.
لقد عملت هذه الجمعية لنشر العلم ما لم تعمله جمعية في الدنيا، وهي تعلّم اللغة العربية، وخرّيجوها يُتقِنون العربية