للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت المدينة الثالثة الكبيرة التي زرناها في جاوة هي سورابايا.

ركبنا القطار من جوكجا، فمرّ بنا على مشاهد ليست لها روعة المشاهد التي رأيناها بين جاكرتا وجوكجا، وجاز بنا نهر صولو، وهو أوسع نهر رأيته في جاوة، ومدينة صولو وكانت فيها دورة ثقافية من دورات «شركة إسلام» التي سيأتي الحديث عنها. و «شركة إسلام» (أي الجمعية الإسلامية) هي أم الجمعيات والأحزاب الإسلامية كلها في أندونيسيا؛ أنشأها سنة ١٩١٠ الأستاذ الأكبر الذي شقّ للناس هذا الطريق والذي قادهم إلى العمل، عمر سعيد شكرو أمينوتو.

وصلنا سورابايا العشية، وبدأت سلسلة التعذيب، أعني البرنامج الرسمي الذي وضعوه لرحلتنا، جعلوا وقتنا كله أوزاعاً بين الحفلات والاجتماعات والزيارات والمحاضرات والمؤتمرات الصحفية. تجتمع بالناس وأنت تشتهي العزلة والانفراد، وتُدعى إلى الكلام وأنت تؤثر الصمت، وتبسم لأناس لم تعرفهم عمرك كله ولم ترَهم، وتأكل وأنت شبعان، وتسهر وأنت نعسان ... وأشياء من هذه البابَة (أي من هذا القبيل). فتصوّروا ماذا كانت حالي وأنا الذي عاش عمره بعيداً عن هذه الاجتماعيات كلها، قد حلّ عن نفسه قيودها وأسقط عنه تكاليفها، فلا يستقبل إلاّ من يسرّه استقباله ولا يزور إلاّ من يحبّ زيارته، ولا يجيب دعوة رسمية أبداً ولا يكاد يدعو إلى مثلها أحداً، ولا يأكل إلاّ إذا جاع ولا ينتظر بالطعام أحداً وهو جوعان.

<<  <  ج: ص:  >  >>