للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن نتصور مبلغه، مطر البلاد الاستوائية الذي ينصبّ كأفواه القِرَب (حقيقة لا مجازاً). فرأينا لمّا نزل المطر عجباً، أسرع كل واحد من المارّة إلى أقرب شجرة موز (وأشجارُ الموز تملأ أطراف الغابات الماثلة على الجانبيَن) فتخيّر له ورقة بسعة المظلّة فنشرها على رأسه ومشى.

أما الشيء الذي كانت فيه النزهة وكانت إليه الرحلة فهو قهوة أنيقة أمامها مسبح فخم، تنظر إليه من تحت فلا ترى شيئاً، لا ترى أمامك إلاّ جبلاً أخضر مستديراً، فإذا ركبت الطريق الذي يصعد إليه وجدت المسبح في حضنه، قد عطف عليه الجبل وأحاطه بيديه، فإذا احتواك ونظرت وراءك أبصرت مدرّجاً فيه من الشجر المزهر وفيه من غرائب الأوراد والأزهار وعجائب الألوان ما لا يحيط بوصفه قلم ولا لسان، وإذا نظرت أمامك رأيت من فُرجة الجبل السهلَ كله، والجبال حوله والمدن فيه، كأنك ترى الدنيا من كوّة الأحلام، والماء يتجمّع من عشرات العيون، ينبع من وراء صخرات الجبل ثم يسير في سواق صغيرة هدّارة تلفّ وتدور وتتكسر أمواهها في شعاع الشمس، ثم تجتمع في جدول كبير فتمر من شاذروان ينصبّ من علوّ عشرين متراً في البركة التي أُعدّت مسبحاً، وأنت أمامها مستقبلها والشمس تسطع عليها. فتصوّر هذا المنظر! ثم يمرّ هذا الماء إلى حيث يسبحون، وقد دُرّجت البركة وأجيد بناؤها وزُخرفت جدرانها ووُضعت لها السلالم والمعارج، والمقاعد مصفوفة على جانبَيها من فوقها.

لا؛ لا أستطيع أن أصف للقراء ما رأيت فيها وما أحسستُ لأن ذلك شيء يجلّ عن الوصف، فاختاروا لكم يوماً من

<<  <  ج: ص:  >  >>