للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهم يقولون لنا: هذا كله ليس بشيء، فأقول: وما هو الشيء؟ فيقولون: أمامكم.

ورأينا النساء في كل مكان من جاوة، إلاّ المدن الكبار، يحجبن الرأس بخمار أبيض أو ملوّن، فلا يُظهِرن إلاّ ما أذن الله بإظهاره وهو الوجه والكفان (وإن وجب سترهما إن كانت فتنة بهما).

ثم انحدرنا كما صعدنا. وهذه سنّة الحياة؛ ما علا عالٍ إلاّ نزل ولا طار طائر إلاّ هبط. وسلكنا على سهل بين سلسلتين من الجبال: السلسلة التي كنا فيها والأخرى التي كنا نراها من أمامنا، في سهل كأنه سهل البقاع في بلاد الشام لولا أنه أوسع سَعة وأجمل جمالاً. وجزنا ببلدة كبيرة اسمها مدينة باتو (أي الحجر) جالسة على ذيل الجبل الذي نزلنا منه، ممتدّة شوارعها في السفح كأنها فتاة اقتعدت حافّة نهر ودلّت فيه ساقَيها. وفي وسط السهل مدينة مالان، وهي تعدل في سعتها وعدد سكّانها مدينة دمشق، وحولها البساتين فيها الأشجار المثمرة وفيها الرمّان الكثير بزهره الناريّ الأحمر (الجلّنار)، وحولها سور من الجبال الخضراء يطيف بها من بعيد، وهي في وسطه كأنها طفلة في حجر أمها. ورأينا بعدها صونغوريتي (أي النبع الحار)، وهي عيون من المياه المعدنية الحارّة تشبه في وضعها وفي البناء القائم عليها عين حلوان في ضاحية القاهرة.

وكنا نمشي في يوم صحو وشمس، فما هي إلاّ لحظات حتى اربدّت السماء بالغيوم وتفتّحَت أبوابها بالمطر، بمطر لا نستطيع

<<  <  ج: ص:  >  >>