للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من نشوة إلى نشوة ومن متعة إلى متعة، فلا أدري أيها أجمل في العين وأحلى في القلب؟ ولكل مشهد قصّة تدور بها الألسنة ويتناقلها الرواة، لو عالجها قلم الأديب لَجعل من كل قصّة منها قطعة من روائع الآداب.

هذا جبل عالٍ ذاهب في الجوّ كأنه البرج المشيد، قالوا إن اسمه جبل الغرام (أنجاسمارا)، وقصته أن زوجة الملك اعتكفت فيه لمّا ذهب إلى القتال واعتزلت الناس، وامتنعت -من شوقها إليه- من الطعام والشراب، وظلّت تناجيه على البعد وتعانق خياله حتى زعموا أنها ماتت. وإن لم أرَ في حياتي من يموت من الغرام! ومررنا بتل عظيم قائم وحده كأنه الهرم يسمّونه لاوا (ومعناها الباب) وله قصّة. ومررنا بعده ببلدة قديمة كانت عاصمة جاوة الإسلامية يوماً، اسمها «سنغو ساري» (أي الأسد الشجاع)، ولها قصّة. وكنا نسير بين هضاب متجاورات كلها مكسوّ بالأشجار المثمرة، والبيوتُ قد تناثرت عليها بسقوفها المائلة الملوّنة كأنها بيوت الأطفال عند بيّاع اللعب، وكل منها له قصّة. والأنهار تجري خلالها صغيرة وكبيرة، مستقيمة وملتوية، رائقة وعكرة، هادئة وهادرة، قد اختلفت طبائعها وغاياتها فكأنها أصناف البشر إذ يمشون على طريق الحياة.

ولكل وادٍ في العين منظر ولكل بقعة في النفس أثر. وكنت كالطفل المحروم دخل مخزن اللعب، كلّما رأى لعبة ظنّها تحفة التحف فقال: هذه التي أريد، فإن رأى غيرها وجدها أحلى منها فعدل إليها عنها. كنت كلما أبصرت مشهداً قلت: قف بي هنا، إن هذا هو أجمل المشاهد. ثم أجوز إلى غيره فأنسى لروعته الأول،

<<  <  ج: ص:  >  >>