للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ندور بأكَمة مخضرّة محمرّة كأنها لوحة في بهو. وأين لوحات الأبْهاء ممّا صوّره بارئ الأرض والسماء؟ وأين الصورة الميتة من الحقيقة الحية؟

ولمّا وصلنا إلى قمة الأكَمة وجدنا قرية صغيرة، ذكّرتني بأعشاش الغرام التي نقرأ وصفها في القصص وما عرفناها في الحياة، بيوت ملوّنة أنيقة حولها إطار من غرائب الأوراد والأزهار، تتخلّلها مسارب كأنها مدارج الأحلام، في أعلاها عين ثرّة سُمّيت القرية بها فكان اسمُها بلسانهم «تري نيس» أي «العين الدفّاقة»، تنحدر المياه من كل جانب من جوانبها شلالات صغيرة فتّانة، ثم تتجمّع في ساقية أو جدول صغير يُفضي إلى المسبح.

وإذا كانت سويسرا تنفرد ببحيراتها المتربعة في الأعالي المُشرِفة على الدنيا من شرف الجبال، فإن في أندونيسيا ما ليس مثله في سويسرا ولا لبنان ولا فيما عرفت من البلدان، هو المسابح الأنيقة القائمة في رؤوس الجبال، تنصبّ فيها المياه من الينابيع نظيفة ما وسّختها أيدي الناس، جارية دائماً لا تؤثّر فيها أجساد السابحين، تُطِلّ على مناظر لها من الجمال ما لا يصل إليه الخيال، والماء ينزل فيها في صناعة بارعة يتشكّل أشكالاً ويتفجّر نوافير.

وفارقناها وتأبى قلوبنا لها فراقاً، وسرنا فمررنا على بساتين مسوَّرة فيها أشجار عالية شديدة الخضرة، فسألنا: ما هذه؟ قالوا: مقابر، وهذه هي أشجار الكَمبوديا ولا تُزرَع إلاّ في المقابر!

وكانت المشاهد تمرّ بنا متعاقبة إذ نمرّ بها مسرعين، فننتقل

<<  <  ج: ص:  >  >>