للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: هذا ما كان عند زيارتنا أندونيسيا من ثلاثين سنة، فما هي حالها الآن؟

* * *

إذا عددتُ الأيام التي مرت عليّ صفواً بلا كدَر كان من أول ما أعدّ منها يوم نزهة سورابايا، وهي نزهة أعدّتها لنا وأكرمتنا بها الحكومة الأندونيسية، وهاكم بعض خبرها:

خرجنا من سورابايا، فما جاوزنا البيوت حتى رأينا على جوانب الطريق حقولاً مغرَقة بالمياه ممتدّة على سيف البحر (١)، مقطَّعة قطعاً محدّدة بسدود من التراب على هيئة الجدران، فعجبت منها وسألت عنها، فقالوا إنها أحواض لتفريخ الأسماك. وسلكنا بعدها طريق الجبال وأوغلنا فيها، تدرج بنا السيارات في طريق تحفّ به من جانبَيه الغابات وظلال أشجارها طبقات فوق طبقات، وعلى الطريق سقف من أغصانها المشتبكات يمنع الشمس أن تصل إلينا، إلاّ نظرات تختلسها اختلاساً من فُرَج الأغصان، وتسمح للنسيم أن يمسح وجوهنا بيد لينة معطّرة كأنها مسّ يدَي الحبيب عند غيبة الرقيب.

وأخذنا نصعد والطريق يستدير ويلتوي والقرى المنثورة على السفوح تظهر ثم تختفي، كصبيّة تلاعب فتاها، يلحقها فتزوغ منه ويهمّ بأن يدعها فتتراءى له، فهي تُطمِعه ولا تُطعِمه وتُسخِطه ولا تُقنِطه. ثم غاب عنّا الجبل الأعظم، فسرنا على حافّة الوادي الضيق


(١) سِيف البحر (بكسر السين): شاطئه.

<<  <  ج: ص:  >  >>