للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقدَّم في هذه السهرات لونان لا تكاد تخلو منهما أو من أحدهما مائدة: الرز بالحليب، لا كما يُصنع في الشام إذ يفتنّ القوم في «تَرقيده» في الصّواني حتى يصير كأنه القشطة، بل يُصنع مخلوطاً بسمن النارجيل (جوز الهند) فيكون له طعم يقولون إنه طيب. أما أنا فلم أستطع أن أسيغ لقمة واحدة منه. والثاني هو «الأبام»، وهو شيء يشبه «القطائف» الشامية. وشتّان ما بين هذا وذاك، فما في الدنيا طعام مثل طعام الشام، وما أكَل الشامي في غير بلده طعاماً فاستطابه ولا أكل أحدٌ من طعام الشام إلاّ فضّله على كل طعام.

وأدركَنا عيدُ الفطر ونحن في جاكرتا سنة ١٣٧٢هـ، وأنا أشهد أنه أنساني أني غريب وأني بعيد عن أهلي وولدي. والغريب لا يحسّ عادة بالعيد ولا بأفراحه لأن العيد لا يراه الإنسان إلاّ في بلده، فلا يمكن أن يوضع في الحقائب ولا أن يُنقل في الطيارات ولا في السيارات.

ذكرت في عيد أندونيسيا العيد الذي عرفته في دمشق وأنا صغير من قديم ثم افتقدته ولم أعُد أجده أبداً. أول ما رأينا من مقدّمات العيد في أندونيسيا الاحتفال بليلة السابع عشر من رمضان، ويسمّونه عيد نزول القرآن. ومن أغرب ما وقع لي أني لمّا دنوت من بهو الاحتفال سمعت تلاوة صحيحة بصوت ناعم، كأنه صوت امرأة يقرأ القرآن قراءة صحيحة بنغمة مستحَبّة، فلما سألت علمت أنها زوجة سوكارنو تفتح الحفل بتلاوة عشر من القرآن (١). وكان عيد


(١) وصوت المرأة بالنغَم عورة ولو لقراءة القرآن.

<<  <  ج: ص:  >  >>