للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من حقنا؛ ذلك لأن تركة أبي (رحمه الله) كانت رقماً كبيراً كان يُعَدّ في ذلك اليوم ثروة، ولكنه رقم علينا لا لنا، إنه رقم الديون التي كانت عليه لا المال الذي كان له.

كان (رحمه الله مرة ثانية، ورحمه ألف مرة) يستدين ليوسع على عياله. ما كان يظنّ، ولا نحن نظنّ، أنه سيموت شاباً لم يجاوز عمره ستاً وأربعين سنة. وكان قادراً على وفاء الدين من مرتّبه الكبير لو مدّ الله في أجله، ولكن حكمة الله أعلى وحُكمَه أمضى.

* * *

يقال إن المصيبة تبدأ كبيرة ثم تصغر.

وهذا صحيح من وجه واحد وغير صحيح من تسعة وجوه. إنها تصغر بالنسيان، والنسيان من أعظم نعم الله على الإنسان، ولكنها تكبر كلما ظهر أثر من آثارها. والآثار لا تظهر دفعة واحدة بل تظهر تباعاً، وكلما بدا أثر جديد جدّد وقع المصيبة.

لم أدرك أول يوم مقدار ما ألَمّ بنا ولم أفكّر فيه لأني لم أجد وقتاً للتفكير. كنت كالضائع في الزحمة، لا أحس بنفسي ولا يكاد يحسّ بي مَن كان حولي. من أين اجتمع هؤلاء الناس كلهم؟ لقد ضاقت بهم الدار وضاقت دور الجيران التي فتحوها لهم. وكذلك كنا في الأفراح وفي الأتراح، كانت أخوّة وكانت اشتراكية صادقة، لا اشتراكية المذهب أو الحزب بل اشتراكية الفطرة السليمة التي يوجّهها الإسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>