أجل كتابه «الشعر الجاهلي»، وحضرتُ بعدها معارك كثيرة كنت أشاهدها ولا أدخل فيها، لأن فرسانها كانوا أكبر مني ولم يكن لي فيها مجال، ثم جاءت معارك كنت أنا طرفاً فيها وكنت أحمل لواء بعضها.
كان أسلوب الكتّاب في هذه المعارك على ضربَين: قليل منهم كان يعرض الفكرة، يبيّن عيوبها ونقائصها ويُقيم الدليل على ما يقوله فيها، وكان أكثره همزاً ولمزاً وهجاء للكاتب وهُزءاً وسخرية به. وكان على هذا الأسلوب كبار الكتّاب كشيخنا الرافعي والأستاذ العقاد، وقد بلغ ذروته (أقصد أنه نزل إلى حضيضه) في كتاب «على السَّفّود»، وفي هذا الكتاب نقد أدبي كثير وفيه حقائق جمّة وفيه فنّ، ولكن هذا كله قد ضاع في غمرة هذا الأسلوب الذي لا أستطيع -على حبي للرافعي- أن أقول إنه أسلوب نظيف أو مقبول. ولكني، مع الأسف، نشأت عليه وبرعت فيه، وإن كنت الآن لا أحبّه ولا أرتضيه.
والمعارك التي خضتُها اضطُررت إليها ولم أختَرْها، ولم يدفعني إليها دافع شخصي لأن أكثر مَن قارعتُه فيها ونازلتُه لم يكن بيني وبينه من صِلات الدنيا ما يستدعي حباً ولا بغضاً. من ذلك أني كنت سنة ١٩٤٧ أُشرف على تحرير مجلّة «الرسالة» بتفويض من أخي الأكبر وأستاذي الزيات رحمة الله عليه، لمرض كان فيه (أو تمارُض كان منه). وكان في «الرسالة» أبواب ثابتة منها باب «الأدب والفنّ في أسبوع»، فنشر محرّره في عدد يوم الاثنين ٣٠ شوال سنة ١٣٦٦هـ خبراً عنوانه «جدل في الجامعة» قال فيه: