للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاوة كلها مسلمة. بعد ذلك التاريخ -يا سادة- وصلت طلائع الهولنديين، وصلوا والبلاد كلها مسلمة وفيها حكومات قوية، والحروب والمنازعات متصلة بينها وبين البرتغاليين الذين مرّ على وصولهم إلى هذه البلاد نحو من قرن ونصف. وكانت الحرب قائمة في أوربّا بين هولندا وإسبانيا والبرتغال، فرحّب بهم أهل البلاد لمّا أعلنوا أنهم يريدون إنقاذها من المستعمرين البرتغاليين. ولم يعلموا أن الاستعمار كله نار، وأن الذي يفرّ من النار إلى النار لا ينجو من الحريق.

نزل الهولنديون ضيوفاً يعتمدون على كرم الشرقي، يبسمون له لا ليسرّوه بل ليسحروه، ويصافحونه لا ليؤكدوا الودّ بل ليختبروا قوّة اليد، ويسألونه لا ليطمئنوا لحسن أخباره بل ليعرفوا المكنون من أسراره ... وهذه مقدّمة كتاب الاستعمار. ثم جاؤوهم بالسلع الأوربية، وما كانوا يحتاجون إليها ولا تقوم حياتهم عليها، ويأخذون ثمنها ثروات أرضهم وخيرات بلادهم ... وهذه هي تَتِمّة المقدّمة.

فلما فرغوا منها فتحوا الكتاب، كتاب الاستعمار، وتلوا منه أول باب وهو باب المعاهدات. فعقدوا المعاهدة الأولى سنة ١٦٠٠، فتعهّدوا لأهل البلاد بتحصين جزيرة أميونيا ودفع المستعمرين البرتغاليين عنها، إيماناً واحتساباً لا يريدون على ذلك جزاء ولا شكوراً، ما يدفعهم إلى ذلك إلاّ الحب للبلاد والرغبة في حفظ استقلالها وإنقاذها من المستعمرين البرتغاليين أعداء الجميع! ثم إنهم -خدمة لأهل البلاد- يَقبلون أن يحملوا على عواتقهم تصريف منتجاتها وشراء حاصلاتها، ينفردون بذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>