للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحدهم لئلاّ يشاركهم أحدٌ هذا الشرف العظيم ... وهذا هو نفاق المستعمرين.

وتتالت بعد ذلك المعاهدات كما تتالى الحلقات وتترابط، فيكون منها سلسلة طويلة هي قيد الحرّية ورباط الاستعمار. وجرّت الأرباح الطائلة الهائلةُ الشركاتِ الهولنديةَ فتنازعت مثلما تتنازع الضباع على الفريسة، وخاف العقلاء منهم أن يفوتها كلها الربح، وألّفوا منها جميعاً «شركة الهند الشرقية الهولندية»، فسارت على نهج شركة الهند الإنكليزية، وكانت حكومة وسط حكومة. وبدأت فصول جديدة في كتاب الاستعمار.

وأعادت الشركة حكاية المعاهدات وحماية البلاد من البرتغاليين: ذئب يحمي النعجة من الذئب ليكون لحمها له وحده دون أخيه في الذئبية! ولكن البلاد لم تصِر في ذلك العهد نعجة بعدُ، بل هي غابة آساد ولكنها متفرقة متنازعة، ثم إن أكثرها نائم يحلم وسط الغاب، وهذه هي علّة العلل في الشرق: النوم والغفلة والانقسام والتنازع، ولولاها ما ملك أجنبيٌّ من أرض الإسلام شبراً واحداً.

ومشى الاستعمار في طريقه مرحلة أخرى، فاستأذنَت الشركة أن تقيم على السواحل مخازن لتجارتها لتحميها من المستعمرين البرتغاليين (دائماً الحُجّة هي دفع المستعمرين البرتغاليين). وأذنَت بذلك الممالك الأندونيسية، فامتلأت السواحل بحصون هولندية قوية، فيها الجند والعتاد ولكن اسمها الرسمي مخازن الشركة، وليس فيها رسمياً إلاّ البضائع المعَدّة للشحن.

<<  <  ج: ص:  >  >>