للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومشى الاستعمار مرحلة أخرى، بل مراحل كثيرة في شوط واحد، حين جاء بالقائد الصلب القاسي والسياسي الذكي البارع «كون»، الذي حفر للاستعمار الهولندي في أندونيسيا الأساس وأرسى الدعائم ورفع الأركان، وسار به شوطاً كبيراً لم يصله مَن كان قبله. فقد كان للشركة الفروع الكثيرة والمخازن التي أنشأتها وجعلتها قلاعاً، فاستأذن حكومة بنتام في إقامة مركز عامّ للشركة، فأذنت له ولم تدرِ أن هذا المركز سيكون عاصمة البلاد ومقرّ الاستعمار، ومبعث النار التي تأكل الحرّية والاستقلال.

وفي احتفال ضخم أطلق على مدينة جاكترا (جاكرتا اليوم) اسم «بتافيا» الهولندي وفتح للهولنديين باب الهجرة إليها، وأرضى أصحاب الأراضي من الزعماء واستغلّ عمل العمال بما يشبه السخرة المجّانية. وجاء الإنكليز البلد لمّا رأوا هذه الخيرات ينازعون كون هذا، وغلبوه عليه، فعاد بعد شهور واستردّ ما أُخذ منه وطرد الإنكليز.

ثم سفرت هولندا عن وجهها وخلعت هاتيك البراقع التي كانت تغطيه والتي رسمَت عليها البسمات الكاذبة، وأقبلت مستعمِرة فأسّست سنة ١٦١٧ أول مدرسة هولندية، وفي سنة ١٦٢٤ أول كنيسة هولندية: تستغلّ العِلم والدين للاستعمار. ووضعَت للبلاد دستوراً غريباً عن معتقداتها وعاداتها هو دستور بتافيا، وبدأ النزاع وقامت الثورات والحروب.

وكان ميزان الاستعمار يرجح تارة ويطيش تارة، تبعاً للحالة السياسية في أوربا. فلما احتلّ نابليون هولندا سنة ١٧٩٥ تألفت

<<  <  ج: ص:  >  >>