للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن أدخل في البلاد زراعات جديدة وصناعات، وأنه وحّدها بعد أن كانت متفرّقة، ولقّنها دروساً أحسنَت الاستفادة منها، وأطلعها على سرّ الحضارة الأوربية فذهبَت جِدّتها وبطل سحرها لمّا عُرفت حقيقتها.

ولم يهدأ الأندونيسيون سنة واحدة خلال هذا العهد الطويل، ولم يستنيموا إلى الضيم ولم يستريحوا إلى المذلّة، بل كانوا يهبّون أبداً ثائرين في وجه الغاصب مدافعين عن حريتهم مجاهدين في سبيل ربهم ودينهم، ولكنها كانت ثورات فردية، كل يثور وحده ويقاتل وحده والآخرون ينظرون. ولو ثاروا جميعاً وقاتلوا جميعاً كما فعلوا أخيراً لتمّ لهم هذا الظفر بالاستقلال من عهد بعيد.

وهذه من عِلَلنا المزمنة: باب مغلق يأتي كل منّا يدفعه فلا ينفتح، فيدعه ويقعد، ويأتي غيره فيجرّب وحده، ولو دفعناه جميعاً دفعة واحدة لانفتح لنا.

ثورات وحروب لا أستطيع أن أحصيها، ولكن أذكر منها على سبيل المثال حروب حكومة بنتام من سنة ١٦١٩ إلى سنة ١٦٢٨. هذه الحروب التي كاد أن يُكتب لها النجاح وطرد الواغلين في البلاد لولا تلك العِلّة، العلة ذاتها؛ فإنها لمّا قامت حكومة متارام القوية سنة ١٦٢٨ تحارب هولندا لم يكن من بنتام إلاّ أن تركَت حرب المستعمرين ووقفت معهم على أختها في الدين والوطن متارام، مخافة أن تقضي عليها وتغلبها على أرضها! ومع ذلك فقد عادت متارام بالجيش الجرّار الذي يُعَدّ مئة ألف والذي لا تقف في وجهه هولندا ولا بنتام، ولكن الهولنديين لمّا

<<  <  ج: ص:  >  >>