للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأوا عجزهم عن حرب السيف عمدوا إلى حرب الغدر والمكر، فأحرقوا مخازن الرز وعنابر المؤن وتركوا هذا الجيش يهلك جوعاً ومرضاً.

وفي سنة ١٨٢٥ كانت الثورة الرائعة، ثورة العالِم المجاهد الصابر الأمير ديبانيكارا، وهو ابن همنوكوبوانا الثالث ملك متارام. وُلد في بلاطه سنة ١٧٨٥، ولكنه اتصل من مطلع شبابه بشيخ ضاع مني اسمه الآن (لأني كتبته في ورقة فلم أجدها وأنا أكتب هذا الفصل)، فنشّأه على العلم والعبادة، ثم كرّه إليه حياة الفجور فتركها وذهب إلى دار له منعزلة فاعتكف فيها مقبلاً على القراءة والدرس، فحفظ القرآن ونظر في التفسير وقرأ التحفة لابن حجر وكُتُب الغزالي، وأقبل على النظر في التواريخ، فأخذ نفسه بإنكار المنكَر وإزالته بيده، فاعترضه أبوه، فأنكر على أبيه ما كان عليه من المنكَرات وألزمه باتباع سبيل الهدى، ولمّا خلا العرش بوفاة أبيه وأرادوه عليه أباه لأنه لم يرَ نفسه أهلاً لحمل أعباء الحكم. وهذه منقبة لا أعرفها لغيره، ولا أعرف في تاريخ أولياء العهود جميعاً رجلاً آخر رفض عرشاً لأنه لم يرَ نفسه أهلاً له إلاّ معاوية ابن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.

ولمّا اشتدّ عسف الهولنديين وظلمهم لأبناء البلاد الذين كانوا يدعونهم الأقزام رأى الجهادَ واجباً عليه، فنشر رايته ودعا إليه، وكان ابن أربعين سنة. وبدأت المعارك بينه وبين الهولنديين في ٢٠ تموز (يوليو) سنة ١٨٢٤ واستمرّت خمس سنوات، وكان النصر له في جميعها، وكان قائداً بارعاً وفارساً لا يُشَقّ له غبار. وقتل من الأعداء خمسة عشر ألفاً ثمانية آلاف منهم

<<  <  ج: ص:  >  >>