للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أخطب خطباء الدنيا، ولكنه لم يخطب يومئذ خطبة بل سأل سؤالاً؛ قال للناس: هل تريدون الاستقلال؟ فأجابه هزيم الرعد من نصف مليون حنجرة أن نعم، قال: فبماذا تحمونه؟ قالوا: بأرواحنا، قال: إن قُوى العدوّ كبيرة. فقالوا: الله أكبر.

«الله أكبر»، خرجت من خمسمئة ألف فم، فارتجّت لها الأرض، ثم خشعت وأصغت الأفلاك ثم صغَت (أي مالت) وأحسّ كل واحد من هؤلاء الناس أنه صار بها وحده جيشاً كاملاً. وكذلك يصنع الإيمان وتصنع «الله أكبر».

عند ذلك كتب مسوَّدة الوثيقة الهائلة التي أخرجَت للدنيا دولة مسلمة، كان فيها يومئذ ثمانون مليوناً فصار فيها اليوم نحو من مئة وخمسين مليوناً. ولا تزال المسوَّدة ذاتها محفوظة. ثم تلاها على الناس وأعلن استقلال أندونيسيا بهذه الجملة الواحدة: باسم الله وباسم الشعب الأندونيسي أعلن أنا سوكارنو ورفيقي حتا استقلال أندونيسيا.

إلى هنا وكل ما كان مألوف معروف.

كلام حلو يُلقى في نوبة حماسة على جمهور ثائر، ثم لا يزيد أثره عن كونه كلاماً. ولكن ما ألقاه سوكارنو في ذلك اليوم لم يكن كلاماً عارضاً يذهب هزّات في الهواء، بل كان بداية عمل في الحياة يستقرّ في الأرض. لقد انتشر هذا الإعلان وقفز من جزيرة إلى جزيرة من جزر أندونيسيا التي يزيد المسكون منها على ثلاثة آلاف، ومشى مشي اللهب في القشّ حتى عمّ البلاد التي يزيد ما بين طرفيها عمّا بين لندن وإسطنبول، فاشتعلَت الثورة فيها كلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>