والجمال. تلك هي المُثُل العليا للبشر، فما كانت غايته الحقّ وسبيله الفكر وأداته المحاكمة فهو «العلم»، وما كانت غايته الجمال وسبيله الشعور وأداته الذوق فهو «الفنّ».
أما العلم (بمعنى science) كعلم الطبّ والفيزياء فله عند علمائنا الأولين تعريفات كثيرة جداً، ولكن أجود تعريف سمعت به وأقربه إلى الوضوح ما قاله سارطون، ولا يضرّنا أن نأخذه منه فإن الحكمة ضالّة المؤمن (أي أنها مُلك له ضاع منه وندّ عنه) فهو يلتقطها حيث وجدها.
قال سارطون:«العلم مجموعة معارف محقَّقة ومرتَّبة».
لمّا قال «معارف» أخرج المشاعر، ولمّا قال «محقّقة» أبعد النظريات، ولمّا قال «مرتّبة» نفى الحقائق المفرَدة المنثورة التي تبدأ بها العلوم عادة قبل استكمال تكوينها.
* * *
أما التعليم، فليس كل من عَلِم شيئاً استطاع أن يعلّمه وما كل عالِم يصير معلّماً؛ فالتعليم أن تختار الأسلوب الذي توصل به هذه المعارف إلى أذهان المتعلمين. وذلك يقتضي معرفة بمدى إدراك الطالب فلا تكلّفه بما هو فوق إدراكه، وبمدى قبوله ما تلقيه عليه وإلا أغلق ذهنه دونك فقرعت باباً لا يُفتَح أبداً، وأن تزيح من طريقه العوائق التي تُعيق فهمه عنك وينشغل بها عمّا تقول، ومن هذه العوائق ما يكون فيك أنت أيها المدرس: فلا ينبغي أن يكون في هيئتك ولا في لهجتك ولا في أسلوب معاملتك شيء غريب يقف فكره عنده فلا تستطيع أن توصل إليه ما عندك.