فلا عجب -يا أولادي- أن تبكوا رغبة في المدرسة وقد صارت لكم جنّات، وما عجب أن نبكي منها وقد كانت علينا جحيماً. هي لكم مائدة عليها الطعام اللذيذ الخفيف في أجمل الأواني، وحولها الزهر والورد ومن ورائها الموسيقى والنغم، وقد كانت لنا طعاماً دسماً ثقيلاً في أوسخ آنية وأقذع منظر.
ولكن مَن استطاع منّا أن يأكل أكثر وأن يهضم ما أكل وأن ينتفع به؟ أنتم على كل هذه المشهّيات، أم نحن على كل تلك المنفّرات؟ أنتم تلبسون للمدرسة أبهى الثياب، ونحن كنا نجيء واللهِ بثوب النوم (السّركس) الذي لا يصل لأكثر من نصف الساق وفوقه رداء (جاكيت) الأب الذي رثّ وبلي فحوّلَته الأم وصيّرته لنا، وفي الأرجل القبقاب أو الكندرة المصنوعة في المناخلية. ولقد صرت في الثانوية وما عرفت دكّان الخياط، إنما ألبس ما تخيط أمي رحمها الله، وما كان فينا من اتخذ عقدة (كرافتة) حتى بلغنا البكالوريا فأين هذه العناية التي تلقونها ممّا كنا فيه؟