للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان عمرها أربع سنوات) وبين أمها. قالت البنت: ماما، في غرفة بابا ضبع. قالت لها أمها: ضبع؟! قالت: إي والله تحت كومة المجلاّت. قالت: حرام الكذب يا بنت. قالت: والله، والله، في غرفة باب ضبع. قالت بَسْ (كلمة «بَسْ» فصيحة) يا بنت، لا تكذبي. فبكت البنت وهُرعت إليّ تستشهدني، فضحكت وقلت لأمها: اسأليها ما هو حجم الضبع الذي رأته وما لونه؟ قالت: هو أسود بقدر الأصبع. فغضبَت الأم وقالت لي: كيف تقول إن الأطفال لا يكذبون وهذه البنت تكذب وتُصرّ على الكذب؟ قلت: إنها لم تكذب، فتعالي حتى أريك هذا الضبع. وذهبنا فإذا هو صرصور، فقلت لها: الأولاد مفطورون على الصدق، فإذا كذب الطفل فإنما يكذب لسوء التقدير كما قدّرَت أن الصرصور ضبع، ذلك أنها تسمع أن الضبع حيوان مخيف قبيح ولا تعرف ما هو، فلما رأت الصرصور فخافت منه واستقبحته ظنّته هو الضبع.

أو يكذب الأطفال (وذلك هو الغالب) خوفاً من عقوبة الآباء والأمهات، فلينتبه المربّون والأهلون الذين يقسون على أولادهم: إنهم يدفعونهم إلى الكذب. أما الولد بفطرته فلا يكون إلاّ صادقاً، وما قاله المتنبي:

والظّلمُ مِن شِيَمِ النفوسِ فإنْ تَجِدْ ... ذا عفّةٍ فَلِعِلّةٍ لا يَظْلِمُ

هذا الذي قاله كذب، لأن من شيم النفوس العدل لا الظلم، والخير لا الشر، والإيمان لا الكفر؛ هذه هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها. ورُبّ بيت قاله الشاعر أفسد به أخلاق أمة؛ هذا أبوفراس، أما أفسد الناس حين قال: «إذا بِتُّ ظَمآناً فلا نزلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>