للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القَطرُ»؟ أليست هذه هي الأثَرة، أو ما يسمّونه الأنانية؟ أين هذا من قول المعري:

فلا هَطلَتْ عَليَّ ولا بأرضي ... سَحَائِبُ ليسَ تَنْتَظِمُ البلادا

أوَ لم يُفسِد أبو فراس بقوله: «لنا الصّدرُ دونَ العالَمينَ أوِ القبرُ»؟ إما أن يأخذ الطالب في الامتحان مئة على مئة أو الصفر؟ إما أن ينجح بدرجة ممتاز أو أن يختار الرسوب؟! أليس بين الصدر والقبر منزلة يمكن أن نأوي إليها وأن نُقبِل عليها؟ والذي قال: «وداوِني بالّتي كانَت هيَ الدّاءُ»، هل كان صادقاً؟ ومتى كان الداء دواءً؟ لقد كذب الفاسق أبو نواس فما يكون الداء دواء أبداً.

* * *

ومن تجارِبي مع بناتي أن إحداهن كانت تخشى الخروج إلى الحديقة ليلاً، وكنا نسكن في سفح قاسيون. وأين مني الآن قاسيون؟ حرم الله الجنّةَ ونعيمَها مَن حرمني من جواره، حتى إنني لأخشى أن أموت قبل أن تكتحل عيناي برؤية قاسيون.

كنا نسكن في دار لها حديقة، فإذا جنّ الظلام وأظلمَت خافت البنت أن تخرج إليها. فأعطيتها مرّة كشّافاً كهربائياً، وخرجتُ بها إلى الحديقة وهي ممسكة بيدي وبيدها الأخرى الكشّاف، فلما توسطنا الحديقة قلت لها: أضيئي نور الكشاف. فأضاءت، وقلت لها: ألا ترين؟ هذه هي الشجرة التي كنا نراها في النهار، وهذه البِركة الصغيرة؛ ما تغيّر شيء، كل شيء في

<<  <  ج: ص:  >  >>