للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مكانه. فلماذا تخافين الخروج؟ ألا تخرجين في النهار؟ قالت: نعم. قلت: ما الذي تغيّر؟

والخوف إن كان له سبب معقول كان طبيعياً، فمن كان له طفل يخاف من الظلام وأمثاله فدواؤه أنه يهجم به على ما يخاف منه، فإذا اطمأنّ إليه زال خوفه. أما الخوف الذي هو انحراف سلوكيّ قد يحتاج إلى طبيب نفسي وإذا ازداد صار مرضاً نفسياً، فهو الخوف بلا سبب معقول، ذلك الذي يجب أن نهتمّ به وأن نحرص على مداواته.

* * *

أعود إلى تجارِبي في المدرسة.

وقفتُ بكم في الحلقة الماضية عند مقابلة ما كنا عليه نحن تلاميذ الأمس بما عليه تلاميذ اليوم، فقلت لكم إننا كنا نجيء المدرسة بثوب البيت، ومن تقدّمَت سِنّه ووصل إلى الصفوف العالية جاء ببذلة فصّلَتها له أمه من قديم ثياب أبيه. لم نكن نعرف هذه الثياب الجاهزة، ولم يكن أكثرنا يتردّد على الخيّاطين ولا يعرف تطوّر الأزياء. وكنا نمشي إلى المدرسة في حارات البلد، ولم أقُل في شوارعها لأنه لم يكن في دمشق ونحن صغار إلاّ شارع واحد، هو الذي فتحه جمال باشا سنة ١٩١٦. كنا نخوض غبار الصيف ووحل الشتاء، يتناثر من أعقابنا على ذيول ثيابنا حتى يصل إلى رُبع الثوب ممّا يلي الأرض، والمطر يهطل فوق رؤوسنا وميازيب الماء (أي المزاريب) التي كانت تنزل على الطريق ينصبّ ماؤها علينا. كانت تلك حالنا أو حال أمثالنا من أوساط الناس

<<  <  ج: ص:  >  >>