للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفقرائهم، أما الأغنياء، وهم أولاد البشوات والأكابر، فكان يوصلهم الخدم على الدواب، وأحياناً بالعربات. وهؤلاء قِلّة قليلة وحالتهم نادرة، والنادر لا حُكمَ له.

فكيف يأتي التلاميذ اليوم إلى المدارس؟ سلوا السيارات التي تسدّ الطريق عند أبوابها. وماذا يلبسون للمدارس؟ سلوا باعة الثياب وخيّاطيها. وانظروا حال الشوارع المزفَّتة (ولا تقُل المسفلَتة) التي لم يعرف مجتازوها ما معنى الوحل الذي كنا نغوص فيه.

وفي المدرسة من كان أرفه عيشاً ومن يجد معاملة ألطف وعطفاً أكثر، نحن أم أنتم؟ هل من أبناء اليوم من يعرف ما هو «الفلق» (أي الفلقة) الذي كانت تُربط به أرجلنا، وينقع بعض القساة من المعلّمين (وأكثرهم كانوا قساة جبارين) ينقعون قضبان الرمّان بالماء حتى يشدّها الماء ويَزيد منها البلاء، أو يأتون بأعواد الخيزران، فيضربون بذلك الأولاد حتى تحمرّ الأرجل وتتورّم، وربما انبثق منها الدم! يضرب بعضهم ضرب موتور منتقم لا ضرب مربٍّ رحيم.

والسجن في أقبية المدارس أو في غرفة منها مظلمة؟ والأب يُعين المعلّم على هذا الظلم، يحسب أنه طريق التربية والتهذيب، يقول للمعلم: هذا ولدي استلمه، اللحم لك والعظم لي!

هذه كانت حالنا، وهذه حالكم يا تلاميذ اليوم. ولكن أعود فأسأل مرّة ثانية: مَن منّا كان أكثر جِداً وإقبالاً على الدرس واستفادة من العلم؟

<<  <  ج: ص:  >  >>