عهد العثمانيين يوم كنت صغيراً في المدرسة الابتدائية أيام الحرب الأولى يسألنا: فاعل ندر؟ أي: ما هو الفاعل؟
لا أستطيع أن أُحصي الأمثلة ولكن أعرض واحداً منها. لما كنت أعلم في الابتدائية كان الكتاب المقرَّر يُعرّف الاسم بأنه «اللفظ الدالّ على معنى مستقلّ بالذهن وليس الزمن جزءاً منه»، وكان عليّ أن أُفهِم هذا التعريف تلاميذ السنة الرابعة الابتدائية وكان عليهم أن يحفظوه. فناشدتكم الله: أهذا ممّا يعقله عاقل يقدّر مدى إدراك التلاميذ ويعرف حدود ما يمكن أن يفهموه؟ ولماذا أُفهِمهم هذا التعريف ولماذا أُلزِمهم بحفظه؟
إن البلاد العربية كلها تشكو من الضعف في العربية، ولعلّ من أسباب هذا الضعف طريقة تدريس النحو، ولعلّ من أسوأ ما في هذه الطريقة التعريفات. لماذا التعريفات من أصلها؟ إن العرب الأولين الذين أخذنا قواعد العربية عنهم ما كانوا يَعْرفونها. ولقد نقل أحمد بن فارس في كتاب «الصاحبي»(وهو من أوائل الكتب التي وقعت في يدي وأنا صغير، فقرأته وكدت أحفظ كل ما فيه، وكان من أوائل ما انتفعتُ به من الكتب)، نقل أحمد بن فارس عن أعرابي أنه سُئل: أتجرّ فلسطين؟ فلم يفهم من معنى الجرّ إلاّ السحب، وعجب كيف يسحب فلسطين وقال متعجّباً: إني إذن لقويّ!
وأنا لا أذهب مذهب مَن يدعو إلى تسهيل النحو ليُفسد بذلك اللغة، لست كهذا العدوّ الذي يأتي بثياب صديق، ولا أدعو إلى إهمال القواعد ولا إلى ترك الإعراب وتسكين أواخر الكلمات،