للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«وا حَرَّ قلباه» التي يودّع بها سيف الدولة، فشرحها لنا وألزمَنا حفظها. فلمّا جئنا في الحصة التي بعدها وقد حفظناها قال لنا: دعوها واضربوا صفحاً عنها، فإن المتنبي شاعر مولَّد لا يُحتَجّ بشعره، وسألزمكم بما هو صحيح من أشعار العرب وما يُحتجّ به ويُقاس عليه. وحفّظنا المعلَّقات وأشهر قصائد الجاهلية وقصائد الشعراء الإسلاميين. وأنا لا أزال إلى الآن أحفظ قصائد كاملة من ذلك كله، من شعر الجاهلية وصدر الإسلام وممّن جاء بعدهم من عباقرة البيان وملوك الكلام، كما أحفظ بعض ما هو خير من ذلك كله وما لا يقاس به شيء منها، لأنه في الثريا وهذا كله في الثرى، هو كتاب الله.

تلك كانت هي المختارات التي نحفظها، فانظروا كيف صارت كتب المحفوظات اليوم وما فيها من المختارات. لا أقول لكم ماذا صارت، فخذوها من أيدي أبنائكم وانظروا ماذا فيها.

أحفظ من كلام المنفلوطي في نظراته (التي كنا نعكف عليها ونستفيد منها) أن أحد العلماء سأل ابنه من هو مثله الأعلى الذي يأمل أن يكون مثله، قال الولد: أنت. قال الأب: يا مسكين، لقد كان مثلي الأعلى أن أكون مثل أحد الصحابة أو الأئمة الكبار، فبلغتُ ما ترى.

وذلك حقّ، فمَن أعدّ عدّته وهيّأ نفسه ليمشي إلى عرفات فإنه يبلغ مِنى، ومن كان أقصى همّه مِنى لم يكَد يبلغ الحُجون!

ومن أشدّ الذكريات التي لا أزال كلما خطرت على بالي أحس أنها تحزّ في قلبي، أنني اضطُررت في آخر عهدي بالتدريس

<<  <  ج: ص:  >  >>