كان عندي كل يوم ثلاثون قضية (أي دعوى)، أسمع مرافعاتها وأحكم فيها، وأُشرِف على مجالس التحكيم، وأعمل رئيساً لثلاثة مجالس: مجلس الأوقاف، ومجلس الأيتام، والمجلس الأعلى للكليّات الشرعية في سوريا التي تتبع وزارة الأوقاف. وأُلقي دروساً في الكلّية الشرعية في دمشق، وفي الثانوية الأولى للبنين والثانوية الأولى للبنات، وأخطب الجمعة في جامع المرابط أو في مسجد الجامعة، وأحاضر في النوادي والجمعيات، وأحدّث من إذاعة دمشق (وأنا أقدَم محدّث يسمعه الناس، مرّ عليّ الآن أكثر من خمسين سنة وأنا أحدّث ما انقطعتُ عن الحديث)، وأكتب كل يوم كلمة صغيرة في جريدة «النصر» أولاً ثم في جريدة «الأيام» عند الصديق نصوح بابيل. كلمة صغيرة ولكنها كصغر القنبلة اليدوية، لها مثل دويّها ومثل أثرها في تدمير الباطل.
كنت أصنع هذا كله، ثم أجد وقتاً أجلس فيه في المكتبة العربية عند الأستاذ الصديق الشاعر أحمد عبيد، أو في المدرسة الأمينية عند الشيخ شريف الخطيب، أو في البيوت التي أعتادها وأواظب على زيارتها، كدار شيخنا الشيخ بهجة البيطار ودور أساتذتنا وإخواننا: محمد كرد علي وفارس الخوري وعزّ الدين التّنوخي والدكتور حمدي الخيّاط والشيخ عبد القادر العاني والشيخ ياسين عَرَفة والشيخ عبد القادر المبارك والشيخ عبدالقادر المغربي، وبيوت أمثالهم.
وهذه كلها من مواطن ذكرياتي التي طالما شهدَت مجالسنا ووعَت أحاديثنا ورأت أطوار حياتنا، فهي محطّات دائمة في